احتجاج
الإمام علي عليه السلام بحديث
الغدير
لم يفتأ هذا الحديث منذ الصدر
الأول وفي القرون الأولى، حتى
القرن الحاضر من الأصول المسلّمة،
يؤمن به القريب، ويَروِيه البعيد.
ولذلك كَثُر الحِجَاجُ به،
وتوفَّرت مناشدته بين الصحابة
والتابعين، وعلى عهد أمير
المؤمنين عليه السلام وقبله.
وإن أول حِجَاج وقع بهذا الحديث
ما كان من الإمام علي عليه السلام
بمسجد رسول الله صلى الله عليه
وآله، بعد وفاته، ذكره سليم بن
قيس الهلالي في كتابه.
وحجاج آخر وقع منه عليه السلام
يوم الشورى، حيث روي الخوارزمي
الحنفي في (المناقب 2 / 217): عن
أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال:
كنت على الباب يوم الشورى مع علي
عليه السلام في البيت، وسمعته
يقول لهم - أي: لعُثمَان بن
عَفَّان، وطلحة، والزبير، وسعد بن
أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف -:
(لأحتجَّنَّ عليكم بما لا يستطيع
عَربيُّكم ولا عَجميُّكم تغيير
ذلك).
ثم قال عليه السلام: "أُنشِدكُم
اللهَ أيُّها النفر جميعاً، أفيكم
أحد وحَّد الله قبلي؟.
قالوا: لا.
فقال عليه السلام: فأُنشِدكم
اللهَ، هل مِنكُم أحد له أخٌ مثل
جعفر الطيار، في الجنة مع
الملائكة؟
قالوا: اللهُمَّ لا.
فقال عليه السلام: فأُنشِدكم
اللهَ، هل فيكم أحد له عم كعمي
حمزة، أسد الله، وأسد رسوله، سيد
الشهداء، غيري؟
قالوا: اللهُمَّ لا.
فقال عليه السلام: فأُنشِدكم
اللهَ، هل فيكم أحد له زوجة مثل
زوجتي فاطمة بنت مُحمَّد صلى الله
عليه وآله، سيدة نساء أهل الجنة،
غيري)؟
قالوا: اللهُمَّ لا.
فقال عليه السلام: أُنشِدكم
باللهِ، هل فيكم أحد له سِبطان
مثل سِبطَي الحسن والحسين سيدي
شباب أهل الجنة، غيري؟
قالوا: اللهُمَّ لا.
فقال عليه السلام: فأُنشِدكم
باللهِ، هل فيكم أحد ناجَى رسول
الله صلى الله عليه وآله مرَّات -
أي: قدَّم بين يدي نجواه صدقة -
قبلي؟
قالوا: اللهُمَّ لا.
فقال عليه السلام: فأُنشِدكم
باللهِ، هل فيكم أحد قال له رسول
الله صلى الله عليه وآله: من كنتُ
مولاه فعليٌّ مولاه، اللَّهُمَّ
والِ مَنْ والاه، وعادِ من عاداه،
وانصُر من نصره، لِيبَلِّغ الشاهدُ
الغائبَ، غيري؟
قالوا: اللهُمَّ لا".
هذا الحديث أخرجه: ابن جرير
الطبري في كتابه (الغدير)، ورواه
الحافظ الطبراني بطوله، ورواه
الحافظ الدارقطني، ومن طريقه
أخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخه.
وأخرجه بطوله القاضي أبو عبد الله
الحسين بن هارون الضبي من أماليه،
ورواه الحاكم النيسابوري في كتابه
في (حديث الطير).
ورواه الحافظ ابن مردويه، وأخرجه
أبو الحسن علي بن عمر القزويني في
أماليه، وأخرجه بطوله ابن
المغازلي في كتاب المناقب.
وأخرجه بطوله الحافظ ابن عساكر في
(تاريخ دمشق)، في ترجمة أمير
المؤمنين عليه السلام، بِعِدَّة
طُرق، تنتهي إلى أبي الطفيل.
كما أخرجه بطوله في تاريخه أيضاً،
في ترجمة عثمان، وأخرجه الكنجي في
(كفاية الطالب).
وأخرجه الذهبي في كتابه (الغدير)
من طريق الطبري، في كتاب (الغدير)
في طُرق الحديث (من كنت مولاه..)،
مقتصراً منه على ما يخص حديث
الغدير.
وأورده السيوطي بطوله عن أبي ذر
في (جمع الجوامع)، وفي (مسند
فاطمة)، والهندي في (كنز العمال).
ومع كل هذه الطرق، يقول الفخر
الرازي في تفسير قوله تعالى:
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ
اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ
آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ
وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾
المائدة: 55.
إن علي بن أبي طالب كان أعرف
بتفسير القرآن من هؤلاء الروافض،
فلو كانت هذه الآية دالَّة على
إمامته لاحتجَّ بها في محفل من
المحافل.
وليس للقوم أن يقولوا: إنَّه تركه
للتقية، فإنهم ينقلون عنه أنه
تمسَّك يوم الشورى بخبر الغدير،
وخبر المباهلة، وجميع فضائله
ومناقبه، ولم يتمسك البتَّة بهذه
الآية في إثبات إمامته).
ويرد العلامة الأميني عليه بقوله:
(إن الرازي في إسناد رواية
الحِجَاج بحديث الغدير وغيره إلى
الروافض فحسب، مندفعٌ إلى ما
يتحرَّاه بدافع العصبية، فقد عرفت
إسناد الخوارزمي الحنفي عن مشايخه
الأئمة الحفاظ، وهم عن مثل أبي
يعلَى، وابن مردويه، من حفاظ
الحديث، وأئمة النقل..) إلخ.
ثم قال العلامة الأميني: (ومن ذلك
كلّه تعرف قيمة ما جنح إليه
السيوطي في (اللآلي المصنوعة) من
الحكم بوضع الحديث، لمكان زافر،
ورجل مجهول، في إسناد العقيلي.
وقد أوقفناك على أسانيد ليس فيها
زافر ولا مجهول، وهَب أنَّا
غاضيناه على الضعف في زافر.
فهل الضعف بمجرَّده يحدو إلى
الحكم البات بالوضع؟ كما حسبه
السيوطي في جميع الموارد من لآليه،
خلاف ما ذهب إليه المؤلفون في
الموضوعات غيره؟ لا.
وإنما هو من ضعف الرأي، وقلة
البصيرة، فإن أقصى ما في رواية
الضعفاء عدم الاحتجاج بها، وإن
كان التأييد بها مما لا بأس به.
على أنَّا نجد الحفاظ الثقات
المتثبتين في النقل، ربما أخرجوا
عن الضعفاء، لتوفر قرائن الصحة،
المحفوفَة بخصوص الرواية، أو
بكتاب الرجل الخاص عندهم.
فيروونها لاعتقادهم بخروجها عن
حكم الضعيف العام، أو لاعتقادهم
بالثقة في نقل الرجل، وإن كان غير
مرضي في بقية أعماله).
ثم أضاف الأميني: (راجع صحيحي
البخاري ومسلم، وبقية الصحاح
والمسانيد، تجدها مفعمة بالرواية
عن الخوارج، والنواصب، وهل ذلك
إلا للمزعمة التي ذكرناها؟
على أن زافراً وثَّقه أحمد، وابن
معين، وقال أبو داود: ثقة، كان
رجلاً صالحاً.
وقال أبو حاتم: محله الصدق، وقلد
السيوطي في طعنه هذا الذهبي في
ميزانه، حيث رأى الحديث منكراً
غير صحيح.
وجاء بعده ابن حجر، وقلَّده في
لسانه، واتَّهم زافرا بوضعه، وقد
عرف الذهبي وابن حجر من عرفهما
بالميزان الذي فيه ألف عين،
وباللسان الذي لا يبارحه الطعن
لأغراض مستهدفة.
وَهَلُمَّ إلى تلخيص الذهبي
مستدرك الحاكم، تجدْه طِعاناً في
الصحاح مما روي في فضائل آل الله،
وما الحجة فيه إلا عداؤه المحتم،
وتحيُّزه إلى من عداهم، وحذا حذوه
ابن حجر في تأليفه). |