علي وصي
الرسول صلى الله عليه وآله
من الثابت عند المسلمين جميعا أن
لكل نبي وصياً من بعده، يشرف على
مجتمعه، ويعمل على تفعيل، وتجسيد
رسالته، وإشاعة منهجه في الناس،
فالأوصياء حلقات الوصل بين الناس
والأنبياء، فهم سفراء السفراء.
فإذا كان الأنبياء سفراء
الله تعالى إلى خلقه،
والأوصياء سفراء الأنبياء
إلى الناس، فهم إذن سفراء
الله تعالى بالواسطة
والتبع، ولذلك لا يتم
اختيارهم من قبل الأنبياء
أنفسهم، بل يتولى الله
تعالى تعيينهم، |
إذ يجب أن
يكونوا على درجة عالية من النقاء،
والصفاء، والعصمة، والعلم،
والأخلاق الحميدة، وهذا ما لا
يمكن معرفته من الخارج، فلا بد من
كشف الباطن والاطلاع على الضمائر
والنوايا وكوامن النفس، وهذا
الأمر من شؤون الخالق سبحانه
وتعالى...، وبذلك يتم تعيين
الأوصياء للأنبياء بأسمائهم
وألقابهم وصفاتهم، كما هو الأمر
بالنسبة للأنبياء أنفسهم، حتى كتب
بعض المؤرخين مصنفات خاصة في
تسلسل الوصية من لدن آدم، وإلى
خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله
عليه وآله.
وحتى لو نظرنا إلى موضوع الوصية
من الجانب العقلي، لوجدنا العقل
البشري، يدعو، ويؤكد أمرها بكل
إصرار..، لأن الوصية مسألة فطرية،
قد جبل عليها الإنسان منذ أقدم
العصور، لأنها تعبر عن التواصل
والاستمرار في بناء الحياة وإدامة
فصول التاريخ الفردي والاجتماعي
بشكل عام، ولذلك نجد أمر الوصية
موجود، حتى في الشعوب الملحدة
اللادينية، وحتى عند غير
المتدينين والملتزمين، بل قد سنت
الوصية كمفردة قانونية في جميع
الحكومات المعاصرة، وأصبح للوصي
والقيم والمتولي أحكاما خاصة
ومواد منفردة، لا يمكن أن ينكرها
أحد.
وعلى هذا الأساس جاءت الشريعة
الإسلامية أيضا، وأكدت موضوع
الوصية، فيما يتصل بعدة مجالات من
الحكم، والزعامة، إلى شؤون الحياة
المختلفة، وحتى الموت، وجعلت في
كتب الفقه الإسلامي أبوابا خاصة
بالوصية والوصاية لأهميتها في
الحياة.
أحاديث
تؤكد أن علي وصي رسول الله صلى
الله عليه وآله
أولا:
حديث الدار
لما نزل قوله تعالى:
﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ
الْأَقْرَبِينَ﴾، (الشعراء:
214). جمع رسول الله صلى الله
عليه وآله أهل بيته أعمامه في
بيته، وقال لهم: "أيكم يؤازرني
على أمري هذا ويكون أخي ووصيي
وخليفتي فيكم؟"، فأحجم القوم
عنها جميعا، فقام علي، وقال: "أنا
يا رسول الله أكون وزيرك"،
فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله: "هذا أخي، ووصيي،
وخليفتي فيكم".
ثانيا:
عن أنس بن مالك قال، قلنا لسلمان
الفارسي: سل النبي من وصيه؟، فقال
له سلمان: يا رسول الله من وصيك؟،
فقال: "يا سلمان من وصي موسى؟"،
فقال: يوشع بن نون، قال، فقال: "وصيي
يقضي ونجز موعدي علي بن أبي طالب".
ثالثا:
قال
رسول الله صلى الله عليه
وآله: "أنا خاتم
الأنبياء، وأنت يا علي
خاتم الأوصياء". |
رابعا:
قال رسول الله صلى
الله عليه وآله: "لكل نبي وصي
ووارث، وإن وصيي ووارثي علي بن
أبي طالب".
بيعة
الغدير
وتسمى بـ (حجة الوداع) و(حديث
الولاية)، هذا الحدث العظيم الذي
أعرض عنه، وعن مضامينه أهل السنة
مع أهميته وشرفه لأغراض سياسية،
فقد سمي بحجة الوداع، لأنها آخر
حجة حجها رسول الله صلى الله عليه
وآله في عمره، وسمي بـ(حديث
الولاية)، لأن الله تعالى أنزلها
على النبي وأمره، أن يأخذ البيعة
من المسلمين لوصيه وخليفته علي بن
أبي طالب عليه السلام.
وإليك
تمام القصة
نزل جبرئيل على رسول الله صلى
الله عليه وآله بقوله تعالى:
﴿بَلِّغْ
مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن
رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ
فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾،
(المائدة:68). وأمره أن ينادي
بولاية علي، وأن يأمره عليهم من
الآن، وأن يأخذ البيعة منهم لعلي
بالوصاية والخلافة. كان ذلك في
العام العاشر من الهجرة في الثامن
عشر من ذي الحجة الحرام عند رجوع
النبي صلى الله عليه وآله
والمسلمين من الحج في منطقة كانت
مفترقا للطرق تسمى(خم)، وأمر
برجوع من تقدم عليه، وانتظر وصول
من تأخر عنه، حتى اجتمع كل من كان
مع النبي صلى الله عليه وآله،
وكان عددهم أكثر من مائة ألف، ثم
صعد رسول الله منبرا صنع له من
أحراج الإبل وأمتعة الناس، وخطب
فيهم خطبة عظيمة، وذكر فيها بعض
الآيات القرآنية، التي نزلت في
شأن أخيه علي بن أبي طالب وبين
فضله ومقامه على الأمة،
قال الرسول صلى الله
عليه وآله وسلم: "معاشر
الناس، ألست أولى بكم من
أنفسكم؟"، قالوا: بلى،
قال: "فمن كنت مولاه
فهذا علي مولاه"، ثم
رفع يديه إلى السماء،
وقال: "اللهم وال من
والاه، وعاد من عاداه،
وانصر من نصره، واخذل من
خذله"، |
بعدها امر
النبي صلى الله عليه وآله، فنصبوا
خيمة، وجلس فيها مع علي، وأمر
جميع من كان معه، أن يحضروا عنده،
ويسلموا على علي بن أبي طالب
بإمرة المؤمنين، ويبايعوه، وقال:
"لقد أمرني ربي بذلك، وأمركم
بالبيعة لعلي"، فبايعه الجميع
على ذلك.
|